اللجوء في بريطانيا هو إجراء قانوني يتيح للأشخاص الفارين من الاضطهاد في أوطانهم طلب الحماية في المملكة المتحدة. يُمنح اللجوء بموجب القوانين البريطانية والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها المملكة المتحدة، مثل اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين.
يقصد باللاجئ أي شخص يتعرض في بلده الأصلي لخطر حقيقي بسبب العرق أو الدين أو الجنسية أو الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية، ولا يستطيع أو لا يرغب في العودة إلى بلده خوفًا من هذا الاضطهاد.
هناك نوعان رئيسيان من الحماية في بريطانيا: الحماية كلاجئ (Refugee Status) والحماية الإنسانية (Humanitarian Protection). الحماية كلاجئ تُمنح لمن يتبين أنه معرض للاضطهاد في بلده وفقًا للمعايير الدولية، وتتيح له البقاء في بريطانيا لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، مع إمكانية التقديم للحصول على الإقامة الدائمة لاحقًا.
أما الحماية الإنسانية فتُمنح لمن لا يستوفي معايير اللجوء، لكنه معرض لخطر حقيقي مثل التعذيب أو العنف الشديد في حال عودته لبلده. يُسمح أيضًا لبعض الأشخاص بالبقاء لأسباب استثنائية (Leave Outside the Rules) إذا كانت عودتهم ستسبب لهم ضررًا بالغًا، حتى لو لم تنطبق عليهم المعايير الأخرى.
شروط التقدم بطلب اللجوء في بريطانيا
للتقدم بطلب اللجوء في بريطانيا، يجب أن يكون الشخص موجودًا بالفعل على الأراضي البريطانية أو عند أحد منافذ الحدود البريطانية (المطارات أو الموانئ أو نقاط الدخول الأخرى). لا يمكن التقديم على اللجوء من الخارج، إذ لا تستقبل السلطات البريطانية طلبات اللجوء عبر السفارات أو الإنترنت.
من الشروط الأساسية أن يكون لدى مقدم الطلب خوف حقيقي ومبرر من الاضطهاد في بلده الأصلي لأسباب محددة، وأن يكون غير قادر على الحصول على الحماية من سلطات بلده. كما يجب أن يوضح أنه لا يمكنه العودة إلى بلده بأمان.
يجب ألا يكون قد مرَّ بدولة "آمنة" يمكنه الحصول فيها على الحماية قبل وصوله إلى بريطانيا، وإلا قد يتم رفض طلبه بموجب اتفاقية دبلن، التي تنص على أن مسؤولية دراسة طلب اللجوء تقع على عاتق أول دولة آمنة وصل إليها ضمن دول الاتحاد الأوروبي أو الدول المرتبطة بالاتفاقية.
الخطوات الإجرائية: من التقديم إلى الحصول على الوضع القانوني
يمر طلب اللجوء في بريطانيا بعدة مراحل. تبدأ العملية بتسجيل رغبة الشخص في طلب اللجوء لدى سلطات الهجرة، إما عند الوصول إلى أحد منافذ الدخول أو بعد دخول البلاد. يتم تحديد موعد مقابلة أولية تُعرف بمقابلة الفحص (Screening Interview)، حيث تُسجل البيانات الشخصية وتُلتقط البصمات والصور.
بعد ذلك، تتم دعوة مقدم الطلب إلى مقابلة اللجوء الرئيسية (Substantive Interview)، وهي خطوة أساسية يقدم فيها تفاصيل عن أسباب طلبه للجوء، ويُطلب منه تقديم الأدلة والوثائق التي تدعم قصته. عقب المقابلة، تدرس وزارة الداخلية البريطانية (Home Office) ملف الطلب وتقرر قبوله أو رفضه. إذا رُفض الطلب، يمكن تقديم طعن أمام المحكمة المختصة.
يستغرق اتخاذ القرار عدة أشهر في العادة، وقد تطول الفترة بحسب تعقيد القضية وعدد الطلبات المقدمة للسلطات.
حقوق وواجبات طالبي اللجوء في بريطانيا
يتمتع طالبو اللجوء في بريطانيا بحقوق وواجبات قانونية أثناء فترة انتظار القرار بشأن طلبهم. من الحقوق الأساسية حق السكن المؤقت والمساعدات المالية الأساسية لتغطية الاحتياجات الضرورية مثل الغذاء والملبس. كما يُسمح لهم بالحصول على الرعاية الصحية المجانية من هيئة الصحة الوطنية (NHS)، والتعليم لأطفالهم دون سن 18 عامًا.
لكن هناك قيودًا أيضًا؛ فلا يُسمح لطالب اللجوء بالعمل خلال فترة دراسة الطلب إلا في حالات نادرة بعد مرور أكثر من عام على تقديمه، وبشروط محددة. كما يجب على طالب اللجوء التعاون مع السلطات، وحضور جميع المقابلات والمراجعات، والإبلاغ عن أي تغيير في العنوان أو الظروف الشخصية.
كيفية تقديم الطلب والمراحل الأساسية
يبدأ تقديم طلب اللجوء عادةً عند الوصول إلى المطار أو الميناء البريطاني، حيث يصرح الشخص للسلطات برغبته في طلب اللجوء. إذا كان قد دخل البلاد بالفعل، عليه التوجه إلى مركز اللجوء المخصص (Asylum Intake Unit) وتحديد موعد لتقديم طلبه.
في الموعد المحدد، تُجرى مقابلة الفحص الأولي لجمع البيانات الشخصية وتسجيل البصمات. يحصل مقدم الطلب على رقم طلب (Case Reference Number) ويُمنح وثيقة تثبت أنه طالب لجوء (ARC Card).
تُحدد لاحقًا مقابلة اللجوء المفصل، يُتوقع خلالها تقديم شرح دقيق لأسباب الفرار من البلد الأصلي، مع إرفاق الأدلة والوثائق الداعمة. من الهام التحضير الجيد لهذه المقابلة، إذ تعتمد عليها النتيجة النهائية بشكل كبير.
بعد المقابلة، تُرسل النتيجة كتابيًا إلى عنوان طالب اللجوء، مع توضيح الأسباب في حال الرفض، وشرح إجراءات الطعن والاستئناف عند الضرورة.
المستندات المطلوبة لطلب اللجوء في بريطانيا
تُطلب مجموعة من المستندات لدعم طلب اللجوء، وأهمها جواز السفر أو أي وثيقة هوية رسمية، وأية أدلة تثبت أسباب الاضطهاد أو الخطر، مثل تقارير طبية، وثائق رسمية، رسائل تهديد، أو شهادات شهود. في بعض الحالات، يُسمح بتقديم الطلب حتى في غياب وثائق الهوية إذا كانت هناك أسباب مقنعة لفقدانها.
من المهم أيضًا إحضار إثباتات الإقامة، مثل تذاكر السفر أو الوثائق التي توضح كيف وصل الشخص إلى بريطانيا، وأية مستندات أخرى تدعم القصة المقدمة في الطلب. كلما كانت الأدلة أوضح وأكثر صدقًا، زادت فرص قبول الطلب.
مدة معالجة طلب اللجوء والتحديات المحتملة
تختلف مدة البت في طلبات اللجوء في بريطانيا حسب تعقيد القضية وعدد الطلبات المقدمة للسلطات. قد يستغرق اتخاذ القرار عدة أشهر، وفي بعض الحالات قد تطول المدة إلى سنة أو أكثر. يرجع التأخير غالبًا إلى نقص الموارد أو زيادة أعداد طالبي اللجوء، أو الحاجة لمزيد من التحقيق والتأكد من صحة المعلومات المقدمة.
من التحديات الشائعة طول فترة الانتظار، وعدم وضوح المستقبل القانوني، مما يؤثر نفسيًا على طالبي اللجوء. كما قد يواجه البعض صعوبة في جمع الأدلة أو إثبات هويتهم، أو يجدون صعوبة في فهم الإجراءات القانونية المعقدة أو التواصل مع المحامين.
الحياة أثناء انتظار الرد: السكن والمساعدات المالية
توفر السلطات البريطانية لطالبي اللجوء الذين لا يملكون موارد كافية سكنًا مؤقتًا في أماكن مخصصة، مثل شقق أو مراكز إيواء جماعية. غالبًا ما يكون السكن بسيطًا ويقع في مناطق خارج لندن أو المدن الكبرى، نظراً لتكلفة المعيشة المرتفعة.
يحصل طالبو اللجوء على مساعدات مالية أسبوعية تُصرف عبر بطاقة دفع إلكترونية (ASPEN Card)، وتكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية فقط. يُسمح لهم بالحصول على الرعاية الصحية والتعليم للأطفال. لكنهم ممنوعون في معظم الحالات من العمل، مما يجعلهم معتمدين على المساعدات الحكومية.
الحياة في هذه المرحلة قد تكون صعبة بسبب الغموض حول المستقبل، وضغط الانتظار، والقيود على الحرية الاقتصادية والاجتماعية. مع ذلك، توجد منظمات مجتمع مدني تقدم الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني لطالبي اللجوء.
ماذا بعد الموافقة أو الرفض؟ الاحتمالات المتاحة
في حال الموافقة على طلب اللجوء، يحصل الشخص على صفة لاجئ أو حماية إنسانية، ويُمنح إذن إقامة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، مع إمكانية التقديم على الإقامة الدائمة لاحقًا. يُسمح له بالعمل والدراسة بحرية، ويكتسب حقوق المقيمين الدائمين في بريطانيا تدريجيًا.
أما في حالة الرفض، فيحق لطالب اللجوء التقدم بطعن أمام المحكمة المختصة خلال مدة زمنية محددة. إذا رفضت المحكمة الطعن، يُطلب من الشخص مغادرة البلاد طوعًا، أو قد يتعرض للترحيل القسري. في بعض الحالات، يمكن إعادة فتح الملف إذا ظهرت أدلة جديدة أو تغيرت الظروف في بلد الأصل.
التحديات التي يواجهها اللاجئون في بريطانيا والموارد المساندة
يواجه اللاجئون في بريطانيا تحديات متعددة، تشمل صعوبة الاندماج في المجتمع، والحواجز اللغوية، ومحدودية الفرص الاقتصادية، وصعوبات إيجاد سكن دائم بعد انتهاء المساعدة الحكومية، إضافة إلى احتمالية التعرض للعنصرية أو التمييز.
مع ذلك، توجد موارد كثيرة لدعم اللاجئين، مثل منظمات المجتمع المدني، والجمعيات الخيرية، والمؤسسات الحكومية التي تقدم دورات اللغة الإنجليزية، والتدريب المهني، والدعم النفسي والاجتماعي.
من أشهر هذه المنظمات: الصليب الأحمر البريطاني، Refugee Council، و Migrant Help. كما توجد برامج رسمية لمساعدة اللاجئين في الاندماج، مثل دورات اللغة المجانية وبرامج دعم التوظيف.
يمثل اللجوء في بريطانيا مسارًا مليئًا بالتحديات، لكنه كذلك فرصة للأشخاص الفارين من الاضطهاد لبدء حياة جديدة في بيئة آمنة. تضع بريطانيا معايير واضحة لمنح الحماية، وتوفر لطالبي اللجوء الحد الأدنى من الدعم الأساسي أثناء انتظار القرار.
لكن طول الإجراءات والتحديات النفسية والاجتماعية تفرض على اللاجئين التحلي بالصبر والمرونة، كما تتطلب من المجتمع والمؤسسات تقديم الدعم والمساندة الفعالة لضمان اندماجهم ونجاحهم في المجتمع البريطاني.
يشكل موضوع اللجوء جزءًا مهمًا من النقاشات الإنسانية والسياسية في بريطانيا، ويعكس التزام البلاد بالقيم الإنسانية والاتفاقيات الدولية، رغم ما يطرأ عليه من تغييرات وتحديات.